اليوم تحديداً، فكرتُ كيف يمكن أن أُمسكَ بكلِّ مواطنٍ في غزة وأقرأ له الشِّعر، كيف أستطيع الوقوفَ على المآذن وأُلقي شعراً، أن أُمسكَ بمكبِّرِ صوتٍ بحجمِ السَّماء، وأصدح فيه بالشعر، لولا أنَّ فكرةً مرَّت في رأسي بأنَّ شِعريّ قد يكون أسوءَ من أن يمُرَّ خفيفاً على آذانهم!
عندما دُعيتُ اليوم على حفلٍ يخصُّ مؤسسةً في غزة لأقرأ فيه بعضاً من نصوصي، وعندما وقفتُ على المنصَّةِ وبدأتُ بالقراءةِ، زاغت عيني على الجالسين لأعرفَ من يسمعني، فرأيتُ امرأةً تُرضعُ ابنها، ولا تكترثُ لما أقولهُ عن النكبةِ، ورأيتُ بنتين تأكلانِ “شيبسي” وتشربان “الكولا” كأنهنَّ يشاهدن فيلماً على قناةِ روتانا، فانفصمتُ ما بين الأوراقِ والناس، لم أعُد أدري كيف أنني مرَّرتُ النصَّ على لساني بكلِّ سخافةٍ وسرعة، وأنا أتفحَّصُ الناس، من بينهم شاعرٌ كان جالساً مثل أصنامِ الجبسِ، وطفلتانِ تشُدَّانِ منديلَ أمِّهما، وشبابٌ في أخرِ القاعةِ يُخفضون رؤوسَهم ليسترقوا أنفاسَ السجائر ويضحكون لأنني قلتُ في أحدِ النصوص “مثل أيِّ طفلٍ يحلُمُ بدراجةٍ هوائية، وينتظرُ فتياتِ المدارسِ على ناصيةِ الشارع”، وكانوا يتناقشون حول هذا الشاعر الذي يعاكسُ بناتَ المدارسِ، وكان الختامُ كما توقعته، همس في أذني مقدِّمُ الحفل يستعجلني، من ثم نزلتُ كأنَّ شيئاً لم يكن، لم ينتبه أحدٌ من القاعةِ أنَّ أحدَهم قد وقف على المنصَّةِ وقرأ نصيين -مزقتهما بعد خروجي- ونزل، والذي ابتسمتُ له أنَّ الزغاريدَ علت وتصفيقاً حاراً بدأ حين أعلنوا أن الفقرة التي تتلو فقرتي –المملة- هي فقرة الغناء الشعبي، لمطربٍ شعبي، سيغنِّي أغنيةً شعبيةً تحتاج لأن تقطع الأم رضاعة طفلها وتخفي ثديَها، كي لا يقفز وهي تصفِّق، وأن تقطع الفتيات أكلهن وحديثهن ليستطعن الهز والتمايل، ومن ثم بالتأكيد أشعل الشباب في أخرِ القاعةِ مزيداً من السجائرِ كي تنسجم الحالة مع الأغنية التي سيقفون ويتمايلون كتفاً بكتفٍ إلى جوارِ بعضهم، ليلفتوا نظر الفتياتِ في الجهةِ المقابلةِ لمكان جلوسهم!
الغريبُ أنني قلتُ للجمهورِ “مساء الخير” عند البداية، وقلت “شكراً” عند النهاية، ولم أسمع رداً واحداً من أحد، ما أغرب أن تشعر كم أنت مُملٌّ أو غير مرئي!
16- 5- 2012